مبادرة رائعة تلك التى أطلقها شيخنا وإمامنا محمد حسان، بجمع مبلغ المعونة الأمريكية، والتى اسماها (المعونة المصرية)، لمواجهة التهديدات الأمريكية السافرة بتجميد هذه المعونة فى أعقاب موقف القيادة السياسية المصرية فى قضية التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى أو بمعنى أدق تجاه كشف مخططات مكاتب الاستخبارات الأمريكية المتوغلة فى مصر منذ حكم المخلوع، والتى كانت ضلعا أساسيا فى إشاعة الفوضى وإثارة الفتن فى البلاد فى الآونة الأخيرة.
دعوة الشيخ محمد حسان هذه سقطت كالصاعقة على رأس الإدارة الأمريكية التى استشعرت أن وهم المعونة الذى زرعه خادمها المطيع "مبارك" فى نفوس شعب مصر طيلة ثلاثين عاما بدأ يتلاشى ويزول، فكما أسقطت الثورة النظام أسقطت أيضا فزاعاته الكبرى التى كانت سلاح المخلوع لإرهاب شعبة من الشبح الأمريكى الذى يملك قوتهم وأمنهم، وهو فى واقع الأمر لا يملك إلا أن يقف ويفكر ليعيد نظرته إلى مصر وشعبها.
شيخنا الجليل أراد أن يوجه عدة رسائل لعل أبرزها : أولا: هو أن هذا الشعب يمكن تعبئته لأهداف توافقية إذ إن دعوة المبادرة هذه استجابت لها الكثير والكثير من العامة، بالإضافة إلى مباركة معظم القوى السياسية لهذه الدعوة، فمصر ضاق صدرها بالتدخل الأمريكى فى الشأن الداخلى والتبعية الاقتصادية للبيت الأبيض، والتى من نتائجها مسخ الشخصية المصرية وإفسادها ثقافيا وفكريا ودينيا. ثانيا: إن جمع المعونة المصرية ربما يكون الخطوة الأولى نحو إقامة وزارة أو لجنة لجمع الزكاة، خاصة مع وصول الإسلاميين لسدة الحكم فى مصر، وهو فرض شرعى وركن أساسى من أركان الإسلام، فليس من الطبيعى أن تكون هناك جبرية فى فرض وتحصيل الضرائب ولا يوجد مثل هذا الأمر بالنسبة للزكاة التى استهل سيدنا أبو بكر الصديق حكمة بقتال مانعى الزكاة، ولو تم هذا الأمر ستحدث انتعاشة كبيرة لاقتصادنا القومى، وسيكون له مردود إيجابى على الشق الاجتماعى، إذ إنه يعيد روابط التكافل والتقارب بين الطبقات. ثالثا: إن هذه المعونة زهيدة للغاية مقابل الكرامة المصرية التى تحاول أمريكا دائما امتهانها بدعوى هذه المعونة وكأنها صدقة أو هبة فى حين إنها حتمية عليها طبقا لاتفاقية كامب ديفيد. رسائل حسان لم تكن لأمريكا فحسب وإنما لشعب مصر بالتوحد حول أهداف قومية وتغليب مصلحة الوطن على أى مصلحة خاصة ولعل شخص حسان هو خير رسالة لكل القادة والسياسيين والدعاة والمفكرين فصدق النية دائما ما يكون له بالغ الأثر فى نجاح العمل، فحسان كان من القلائل الذين لم يغالوا فى النقد بل دائما ما يقترن ظهوره بحل الأزمات فكان له دور بالغ الأثر فى حل المشاكل الطائفية فى أطفيح والماريناب وإمباية وكانت خطبة وتصريحاته المتزنة دائما ما تثلج قلوب النصارى قبل المسلمين فاستطاع درء الفتن بصدق النية والإخلاص مع الله. وعلينا الآن، نحن أبناء هذا الوطن، أن نلتف مع كل دعوات الإصلاح والبناء ولتكن هذه الدعوة هى البداية.